وجبات عراقية بأنامل آسيوية
بغداد - دورة مكثفة وإلزامية، لا يخلو بعض جوانبها من الطرافة، تلك التي تلتحق فيها الخادمات الأسيويات في العراق، لتعلّم تنظيف البامياء وتقشير الباذنجان واعداد شيخ المحشي...
فالخادمة التي تختارها العائلة العراقية يتوجب ان تتعلم كل شيء عن الأطباق الرئيسة، لكي تتمكن من إعدادها بنفسها مستقبلاً، في شكل يتلاءم مع مزاج أفرادها، وتمنحهم طبقاً عراقياً صرفاً من أيادٍ اسيوية.
صوفي شاسي خادمة أثيوبية قدمت الى بغداد منذ خمسة اشهر، من طريق إحدى شركات التوظيف، تقول بلغتها العربية البسيطة إنها انخرطت في دورة مكثفة لأكثر من شهر على يد «الست»، قبل ان تتمكن من انجاز الطلبات بالكفاءة المطلوبة.
صوفي عملت في الإمارات اكثر من خمس سنوات لدى عدد من العائلات، ثم انتقلت للعمل مع عائلة عراقية كانت تقطن دبي، قبل أن تعود الى العراق معها. وتذكر أن العائلات العراقية تتعامل بأسلوب مختلف مع الخادمات، «ولا تمارس العنف معهن مثل بقية العائلات هناك (أي في الخليج)»، كما تقول ثم تضيف: «كنت في الإمارات أنام في غرفة صغيرة مخصصة للخادمات، وينظرون إلينا باستعلاء. ولكنني فوجئت بالعائلة العراقية وهي تهيئ لي غرفة مجاورة لغرفة ابنتها، بل إنني أحياناً أرتدي بعض ملابسها عند خروجنا للتنزه في الحدائق».
يعتري صوفي، بين الحين والآخر، شعور بالغربة. ولولا المعاملة الطيبة من أم علي وابنتها رؤى، لما استطاعت الاستمرار، «إذ لا توجد خادمات أجنبيات أو أثيوبيات كثيرات، مثلما هي الحال في الإمارات»، كما تشرح.
وصوفي تعرب عن أنها لا تشعر بأنها خادمة، بل بأنها فرد من أفراد أسرة مخدوميها، «فهم يقدرون وضعي ويوفرون أشياء كثيرة، لكي اتمكن من توفير راتبي وإرساله الى عائلتي».
وهي تحب الأطعمة الحارة، لكن العراقيين يفضلون اطباقهم الخاصة، وهو الأمر الذي جعلها تتعلم إعداد البامياء والمحشي والباجه والتشريب. وينقصها فقط إتقان أكلة السمك المحلية.
وعلى رغم غياب منظمات اجتماعية لرعاية الخادمات في العراق، بسبب حداثة التجربة، تحاول عائلات عراقية كثيرة معاملة الخادمات على أنها جزء منها، سواء أكانت الخادمة محلية أم اجنبية. ذلك أن العراقيين يصطحبون معهم الخادمات في رحلات التسوق اليومية والنزهات. وتقول أمل، الطالبة الجامعية، إن بعض الخادمات لا يراعين عوامل النظافة، ولكنهن يتعلمن تدريجاً. والدتها تعدّ الوجبات والخادمة تساعدها في تحضير المكوّنات وتنصرف إلى أعمال التنظيف. وعائلة أمل مرتاحة الى وجود خادمة اسيوية، بعد مضي 4 أشهر على استقدامها، خصوصاً ان أعباء المنزل خفّت عن كاهل الوالدة التي تجد في خادمتها رفيقة تلازمها وتؤنسها، في غياب الأبناء والزوج طيلة النهار.
اضطهاد الخادمات فكرة تشجبها العائلة، فلو لم تجر عليها الظروف لما قطعت آلاف الاميال لكي توفر لقمة عيشها. وتكشف أمل أنها صادقت الخادمة إلى درجة أنها تطلعها على بعض اسرارها العاطفية وصورها.
تانلي خادم آسيوي يعمل في مطعم صيني، ويذكر أن العراقيين يتعاملون بمودة مع الخدم الأجانب، ولا يضعون حواجز طبقية، على عكس الحال في بلدان أخرى، واستطاع أن يكوّن مجموعة من الاصدقاء العراقيين الذين استضافوه في منازلهم ولمس منهم مودة كبيرة